الفجوة بين المتعلم الحالي وطرق التدريس التقليدية بقلم: أ. خالد عيد العتيبي

في ظل التوجّه الجديد لوزارة التربية نحو إعادة تأليف المناهج الدراسية من الصف الأول حتى الصف التاسع، والانتقال من مناهج الكفايات إلى مناهج قائمة على المعايير والمؤشرات التربوية الحديثة، تبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة لطرائق وأساليب التدريس داخل الفصول الدراسية. فالمسألة لم تعد تعديلًا في المحتوى فقط، بل تستدعي إعادة نظر في أدوار المعلمين، وخصائص المتعلمين، وأدوات التعليم ووسائطه.

لقد أثبتت التجربة أن الطرائق التقليدية لم تعد مجدية مع الجيل الرقمي الحالي؛ إذ لم تعد الممارسات المعتمدة على التلقين والحفظ والإجابات النموذجية قادرة على التأثير في طلاب يتعاملون مع التقنية يوميًا، ويتلقّون المعلومات بسرعة ويتفاعلون معها بشكل مباشر. ويُعزى ذلك إلى جملة من الأسباب المتداخلة، أبرزها تحوّل خصائص المتعلم العصري؛ فهو جيل رقمي، متعدّد الاهتمامات، سريع التفاعل، لا يجد نفسه في بيئة تعليمية جامدة. يُضاف إلى ذلك الجمود في إعداد المعلمين وتطويرهم المهني، مما يجعل أساليبهم غير مواكبة لمتطلبات التعليم الحديث.

كما أن ضعف ربط التعليم بالحياة الواقعية يسهم في اتساع الفجوة، إذ يشعر الطالب بأن ما يتعلمه لا يمتّ بصلة لحياته اليومية أو لتحديات مجتمعه، إلى جانب قلة الاستثمار في التقنيات التعليمية الحديثة، سواء على مستوى المحتوى أو البنية التحتية، مما يُفقد العملية التعليمية الكثير من جاذبيتها وفاعليتها.

وتتجلّى هذه الفجوة في ثلاثة أبعاد رئيسية:
• الفجوة المعرفية: الطالب اليوم قادر على الوصول إلى المعلومة بسهولة، لكنه يفتقر للمهارات التي تمكّنه من تحليلها ونقدها وتوظيفها.
• الفجوة في الأسلوب: المتعلم المعاصر يميل إلى التعلم من خلال التجربة، والمشاركة، والوسائط المتعددة، في حين يُفرض عليه بيئة تعليمية جامدة تقتصر على الكتاب والمعلم.
• الفجوة الدافعية: لم تعد الأساليب التقليدية محفّزة، بل صارت عامل نفور يدفع الطالب نحو العزوف والملل.

ولتضييق هذه الفجوة، لا بد من تحوّل جذري في فلسفة التدريس، من خلال:
• تبنّي أساليب حديثة مثل التعلم القائم على المشروع، والتعلم التعاوني، والتعلم القائم على المشكلات.
• تأهيل ودعم المعلمين ببرامج تدريبية حديثة تتماشى مع طبيعة التغيير.
• تفعيل دور التقنيات التربوية لتصميم بيئة صفية محفّزة تدمج التكنولوجيا بفاعلية، وتدعم التفكير النقدي والإبداعي.

ختامًا:
تمثل عملية تغيير المناهج التي شرعت فيها الوزارة فرصةً حقيقية لإعادة ضبط المسار، وتصحيح الاختلالات التربوية. غير أن نجاحها مشروط بجاهزية النظام التعليمي ككل لإعادة تعريف العلاقة بين المعلم، والمتعلم، والمحتوى، وتجاوز أخطاء تطبيق منهج الكفايات الذي رُوّج له ذات يوم على أنه الحل المنشود لمشكلات التعليم، لكنه لم يُوفَّق في تحقيق تطلعات الميدان.

عن moalem

شاهد أيضاً

تكريم الفائقين: بين الطابور الصباحي والاحتفال بيوم مخصص بقلم: أ. خالد عيد العتيبي

تكريم المتعلمين الفائقين هو جزء أساسي من العملية التربوية، فهو يشجعهم على الاستمرار في التميز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.